"حكومة الإسلاميين" في المغرب بعد ثلاث سنوات لـ علي أنوزلا
ينظر بعض المراقبين إلى الحكومة التي يرأسها حزب إسلامي في المغرب على أنها التجربة الوحيدة الناجية من تجارب حكم الإسلاميين في المنطقة، نجحت في أن تصمد بعد انتكاسات "الربيع العربي" في أكثر من بلد. لذلك فإن تجربة الحزب الإسلامي الذي حملته رياح "الربيع العربي" من صحراء المعارضة إلى سدة الحكومة، تغري الكثيرين بالتوقف عندها في محاولة لفهما وتقييمها بعد مرور ثلاث سنوات على وجودها.
مؤيدو هذه التجربة يعددون الكثير من إنجازاتها، وسنورد هنا ثلاثة من أهم هذه الإنجازات. أولى هذه الإنجازات تتمثل في استمرار حالة الاستقرار التي يعيشها المغرب وسط محيط إقليمي مازال يمور مورا، على اعتبار أن الفضل في ذلك يعود للحزب الذي اختار مقاطعة الحراك الشعبي الذي شهده المغرب عام 2011، والاصطفاف وراء السلطة في محاولة للإصلاح من الداخل. ثاني هذه الإنجازات تتمثل في المحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية، بالتحكم في التضخم ومراقبة عجز الميزانية رغم أن ذلك تم على حساب التوازنات الاجتماعية. أما الإنجاز الثالث لهذه التجربة، ودائما من وجهة نظر مؤيديها، فيتمثل في استمرار الحكومة رغم الصراعات التي اشتعلت بين حلفائها في نسختها الأولى، وعدم تجانس مكوناتها الحالية، وبالرغم من بعض قراراتها غير الشعبية بالزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية.
أما منتقدو التجربة فيعددون هم أيضا الكثير من نقائصها، وسنحاول أن نوجزها هي الأخرى في ثلاثة نقاط. الأولى تتمثل في أن الاستقرار أدى إلى استمرار الوضع كما كان عليه قبل مجيء الحكومة نفسها، وبالتالي فهو كان على حساب الفئات الفقيرة التي لم تتحسن أحوالها، بل إنها هي من تحملت سياسات توازناتها الاقتصادية. ثانيا، تراجٌع الحكومة أمام محاربة الفساد، ونكوصها بوعودها خاصة ذات الطبيعة الاجتماعية من قبيل الرفع من الأجور وتقليص معدلات البطالة التي مازالت تراوح نفس مستوياتها. ثالثا، التأخر الكبير في تطبيق مقتضيات الدستور، وتنازل رئيس الحكومة طوعيا عن أغلب اختصاصاته الدستورية للملك.
هذا التقييم قد يبدو موضوعيا لمن ينظر إلى التجربة من خارج سياقها المغربي، لكن عندما ننظر إليها من الداخل وبعمق تتغير المعطيات التي تدفعنا إلى التساؤل هل نحن فعلا أمام تجربة حقيقية في الحكم والتحول الديمقراطي؟
الشيء المؤكد هو أن المغرب شهد حراكا شعبيا عام 2011، متأثرا بما عرفته المنطقة، وقف الحزب الإسلامي الذي يرأس الحكومة اليوم في المغرب ضده، ونجح القصر في احتواء مطالبه. والشيء الظاهر اليوم هو أن الحزب الإسلامي خرج مستفيدا من كل ما حصل ولو إلى حين.
لكن ما لم تتم الإشارة إليه في كل ما سبق، هو أن الحزب الإسلامي يرأس الحكومة ولا يقودها، لأن أغلب مكوناتها من التكنقراط الذين يعينهم الملك، وحلفاؤه داخلها من الأحزاب المحسوبة على القصر التي لا يمكن أن تأتمر إلا بأوامره. كما أن الحزب الذي جاء إلى الحكومة لخدمة الشعب وضع نفسه في خدمة القصر، وأصبح هاجس كسب ثقة الملك بالنسبة لرئيسه ووزرائه أهم من كسب ثقة الناس، وبدلا من أن يغيروا من الداخل باتوا هم من يتغيرون ويتحولون من الداخل والخارج. أما بالنسبة للتوازنات الماكرو اقتصادية التي ينظر إليها أنصار الحزب كإنجازات كبيرة، فهذه حسابات تقنية كان يمكن أن تنجزها أية حكومة تكنقراطية تتبع تعليمات المؤسسات النقدية الدولية كما تفعل الحكومة الحالية في المغرب، وبالتالي فهي لا تعني الكثير في حسابات التوازنات الماكرو سياسية، وهذه مازالت مختلة في ظل الغياب أو التغييب التام لإرادة الشعب.
علي أنوزلا
مواضيع ومقالات مشابهة